للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر السادس: الخضوع والتذلل للحي القيوم]

إذا علم العبد أن ربه حي قيوم تخضع له الخلائق يوم القيامة، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] واستشعر ذلك الموقف العظيم الذي يرى فيه الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والأحرار والأرقاء، والملوك والسوقة، ذليلين خاضعين، ساكتين منصتين، خاشعة أبصارهم، خاضعة رقابهم، جاثين على ركبهم، لا يدرون ماذا ينفصل كل منهم به (١)؛ خضع وذل وافتقر واستكان لربه في الدنيا قبل الآخرة.

فـ «العبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل، فهو ذليل لعزه، وذليل لقهره، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانه إليه، وإنعامه عليه؛ فإن مَن أحسن إليك: فقد استعبدك، وصار قلبك معبَّدًا له» (٢).

والخضوع والذل لله هو أحد أصلَي العبادة، قال ابن القيم : «والعبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع، والعرب تقول: طريق معبَّد، أي: مذلَّل، والتعبد: التذلل والخضوع، فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له؛ لم تكن عابدًا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له، حتى تكون محبًّا خاضعًا» (٣).

فتحقيقهما يكون بتحقيق العبودية لله تَعَالَى وحده، وأعظم العبادات التي فيها عظيم الذل والخضوع لله: الصلاة المفروضة، لا سيما في السجود،


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص ٥١٣).
(٢) مفتاح دار السعادة، لابن القيم (١/ ٢٨٩).
(٣) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (١/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>