للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر الخامس: أسباب نيل الأمن في الآخرة]

الله المؤمن سُبْحَانَهُ الذي يؤمن عباده في الدارين، وأعظم ما يكون الأمن يوم الفزع الأكبر إذا وقعت الساعة، ورجفت الأرض وارتجت، وزلزلت زلزالها، وتصدعت الجبال، واندكت، وتفطرت السماء وانفطرت، وتكورت الشمس والقمر، وتنثرت النجوم، وكان من القلاقل والبلابل ما تنصدع له القلوب، وتوجل منه الأفئدة، وتشيب منه الولدان، ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: ٢] أذهب العقول، وفرغ القلوب، وملأها فزعًا وهلعًا، وبلغت القلوب الحناجر، وشخصت الأبصار، وعظ الظالم على يديه قائلًا: ﴿يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٧]، ﴿يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٨]، ونصبت الموازين التي يوزن بها مثاقيل الذر من الخير والشر، ونشرت صحائف الأعمال وما فيها من جميع الأعمال والأقوال والنيات من صغير وكبير، ونصب الصراط على متن جهنم، وتزلف الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين، فزاد الفزع فزعًا، والشدة شدة، إلا أن هناك أقوامًا آمنين لم يصبهم شيء من الفزع والهلع، على الرغم من هذه الأهوال، قال تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: ٤٠] (١).

وإنما نالوا هذا الأمن بفضل الله المؤمن أولًا، ثم بما قاموا به من أسباب كانت سبب في تأمينهم، ومن هذه الأسباب:


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص: ٥٣٢ - ٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>