للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر الثاني: دلالة اسم الله (الحافظ الحفيظ) على التوحيد]

إذا تأمل العبد في سعة حفظ الحفيظ للخلائق كله، وأن كل شيء إنما حفظ بحفظه وقام بقيوميته، فهو الحي القيوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد والحفظ- تيقن أنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه، فإن كل من دونه عاجز عن حفظ نفسه، فضلًا عن أن يحفظ غيره (١)، فلو أوكل سُبْحَانَهُ حفظ هذه الكواكب والنجوم إلى ذواتها ولم يتولَّها بحفظه ورعايته، لتهافتت وتهاوت وتساقطت، وذهب كلٌّ منها إلى حيث لا يُعلم له غاية ولا مستقر، ولو أوكل حفظ السماء والأرض للخلق، لعجزت قواهم عنها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: ٤١]، فمن كان هذا حاله كيف يتخذ إلهًا من دون الله؟!

كما أن العبد إذا تأمل في حفظ الحفيظ لأهل التوحيد وإكرامه لهم، والإهانة والعقوبة لأهل الشرك- كان في ذلك دلالة له على توحيد الله دون ما سواه، وما ذاك إلا لأن التوحيد جعله الله موصلًا إلى كل خير، دافعًا لكل شر ديني ودنيوي، وجعل الشرك به والكفر سببًا للعقوبات الدينية والدنيوية، ولهذا إذا ذكر تَعَالَى قصص الرسل مع أمم المطيعين والعاصين، وأخبر عن عقوبات العاصين ونجاة الرسل ومن تبعهم، قال عقب كل قصة: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨] أي: لعبرة يعتبر بها المعتبرون، فيعلمون أن توحيده هو الموجب للنجاة، وتركه هو الموجب للهلاك (٢).


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص: ١٢١).
(٢) ينظر: المرجع السابق (١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>