للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندها بساتين وأمور يرغب الناس فيها، فليس عندها رغبة ولا رهبة، ومع هذا فقد حفظها بالهيبة والعظمة، فكل من يأتيها يأتيها خاضعًا ذليلًا متواضعًا في غاية التواضع، وجعل فيها من الرغبة ما يأتيها الناس من أقطار الأرض محبةً وشوقًا من غير باعث دنيوي، وهي على هذه الحال من ألوف السنين، وهذا مما لا يعرف في العالم لبنية غيرها، والملوك يبنون القصور العظيمة فتبقى مدة، ثم تهدم لا يرغب أحد في بنائها ولا يرهبون من خرابها.

وكذلك ما بني للعبادات قد تتغير حاله على طول الزمان، وقد يستولي العدو عليه كما استولى على بيت المقدس، والكعبة لها خاصة ليست لغيرها، قصدها جيش عظيم ومعهم الفيل، فهرب أهلها منهم فبرك الفيل وامتنع من المسير إلى جهتها، وإذا وجهوه إلى غير جهتها توجه، ثم جاءهم من البحر طير أبابيل، أي: جماعات في تفرقة فوجًا بعد فوج، رموا عليهم حصى هلكوا به كلهم؛ فهذا مما لم يوجد نظيره في العالم، فآيات الأنبياء هي أدلة على صدقهم» (١).

وتكفل بحفظ دينه «ولو كره المشركون ذلك وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم، فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه» (٢)، قال تَعَالَى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٢ - ٣٣].


(١) ينظر: النبوات (ص ١٦٠ - ١٦١).
(٢) تفسير السعدي (ص: ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>