للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قديم لا أول له، وكل ما سواه فوجوده بعد عدمه باق بذاته، وبقاء كل شيء به فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء» (١).

الأثر الثامن: التقرب للباطن سُبْحَانَهُ بخبيئة لا يعلمها غيره.

الباطن سُبْحَانَهُ يحب أن يكون لعبده خبايا من أعمال صالحة يتقرب بها إليه، يقول ابن القيم عند قوله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١]: «فأخبر أن إعطاءها للفقير في خفية خير للمنفق من إظهارها وإعلانها، وتأمل تقييده تَعَالَى الإخفاء بإيتاء الفقراء خاصة، ولم يقل: (وإن تخفوها فهو خير لكم)، فإن من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيش، وبناء قنطرة، وإجراء نهر أو غير ذلك، وأما إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد؛ الستر عليه، وعدم تخجيله بين الناس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى الناس أن يده هى اليد السفلى، وأنه فقير لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدر زائد من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة وطلبهم المحمدة من الناس، وكان إخفاؤها للفقير خيرًا من إظهارها بين الناس، ومن هذا مدح النبي صدقة السر وأثنى على فاعلها، وأخبر أنه أحد السبعة الذين هم في ظل عرش الرحمن يوم القيامة» (٢)، وفي الحديث الصحيح: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ


(١) زاد المعاد (٢/ ٤٢٢).
(٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٦٦٠)، ومسلم، رقم الحديث: (١٠٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>