للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنده، وعظم سلطانه، وعرض جاهه، ثم إذا دخلوها فلا يملكون الخروج منها، ولا تخفيف عذابها ولا إيقافه برهة إلا أن يشاء الله، قال تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إبراهيم: ٤٨ - ٥٠]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٦ - ١٠٩] (١).

وهو سُبْحَانَهُ مع هذا القهر الواسع العظيم إلا أنه في غاية الكمال والجمال؛ إذ قهره سُبْحَانَهُ عن علم وخبرة بمصالح الأشياء ومضارها، ومن يستحق القهر ومن لا يستحقه، وعن حكمة بالغة يضع معها قهره في الموضع المناسب له، وعن عدل تام لا ظلم معه ولا جور، قال تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٨] (٢).

[الأثر الثاني: دلالة اسم الله (القهار) على التوحيد]

إذا تأمل العبد في الكون من حوله وجد أن كل مخلوق فوقه مخلوق يقهره أو له مخلوق يضاده؛ فخلق الله الرياح وسلط بعضها على بعض تصادمها وتكسر ثورتها وتذهب بها، وخلق الماء وسلط عليه الرياح تصرفه وتكسره، وخلق النار وسلط عليها الماء يكسرها ويطفئها، وخلق الحديد وسلط عليه النار تذيبه وتكسر قوته، وخلق الحجارة وسلط عليها الحديد يكسرها ويفتتها، وخلق آدم وذريته وسلط عليهم إبليس وذريته، وخلق إبليس وذريته وسلط عليهم الملائكة


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص: ٥٨، ٨٨٤).
(٢) ينظر: تفسير الطبري (١١/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>