للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشردونهم كل مشرد ويطردونهم كل مطرد، وخلق الحر والبرد والشتاء والصيف وسلط كلًّا منهما على الآخر يذهبه ويقهره، وخلق الليل والنهار، وقهر كلًّا منهما بالآخر، وكذلك الحيوان على اختلاف ضروبه من حيوان البر والبحر لكل منه مضاد ومغالب، ثم إن هذا القهر كله لا بد أن ينتهي لقاهر واحد حي، قيوم، عليٍّ، مالك، قادر، قوي، عزيز، عليم، حكيم، لا والد له ولا ولد، ولا أحد كذلك إلا الله الواحد القهار، قال تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: ١٦]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: ٦١]، وقال تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٧ - ١٨]، وقال تَعَالَى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: ٤]. (١)

قال الشيخ السعدي في التعليق على الآية السابقة: «القهار لجميع العالم العلوي والسفلي، فلو كان له ولد لم يكن مقهورًا، ولكان له إدلال على أبيه ومناسبة منه» (٢).

وبهذا يكون اسم الله القاهر القهار دالًّا على توحيد الربوبية والأسماء والصفات.

ثم إن من له القهر بكماله وتمامه، لا قاهر له ولا مغالب، هو المستحق أن يعبد وحده دون ما سواه؛ إذ إن ما سواه مقهور مربوب مملوك للواحد القهار، فكيف يساوى بالواحد القهار في العبودية؟!! قال تَعَالَى:


(١) ينظر: طريق الهجرتين (١/ ٢٣٣)، وتفسير السعدي (ص: ٤١٥، ٧١٦).
(٢) تفسير السعدي (ص: ٧١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>