للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأثر السادس: مَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة:

من آمن بأن الله سُبْحَانَهُ رحيم يحب الرحماء، وستير يحب من يستر على عباده، وعفو يحب من يعفو عنهم، ويجازي عباده بحسب هذه الصفات فيهم وجودًا وعدمًا، فمن سترهم سَتَرَه، ومن صفح عنهم صَفَحَ عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، فمن عامل خلقه بصفة عامله الله تَعَالَى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تَعَالَى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه (١)، وجاء في الحديث: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» (٢).

وليس من سمات المسلم أن يشهِّر بإخوانه، ويتتبَّع عثراتهم، ويتصيد أخطاءهم، ويفضح مستورهم، ويكشف مكنونهم، وكان أعظم المتخلقين بهذا الخلق، والملتزمين بهذا الأدب، والأحاديث بذلك كثيرة، فقد جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: وَيْحَكِ! ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: وَمَا ذَاكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَ: آنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَ: إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا، لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا) (٣).


(١) انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم (ص: ٤٩).
(٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٢٦٩٩).
(٣) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (١٦٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>