للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الناس من إذا خلا بالمعصية خلا بها جريئًا على الله، ومنهم من يخلو بالمعصية وهو تحت قهر الشهوة وسلطان الشهوة، ولو أنه أمعن النظر وتريث، ربما غلب إيمانُه شهوته وحال بينه وبين المعصية، لكن الشهوة أعمته، والشهوة قد تعمي وتصم، فلا يسمع نصيحة ولا يرعوي، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان، قال تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥]، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان، فزلت قدم العبد، لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم، وأنه كاره لها، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها، فهذا معظم لله ﷿، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية» (١).

ولذا فعلى المؤمن أن يستتر بستر الله، وأن يجتنب الذنوب ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ عورته، ويصون عرضه، ويجتنب أبواب الرذائل ودروب الفساد، ويقبل على الله تائبًا منيبًا، داعيًا ربه بالستر والعفو والقبول، ومن هنا كان من أذكار الصباح والمساء الدعاء بالستر، فعن ابن عمر قال: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» (٢).


(١) شرح زاد المستقنع، للشنقيطي (٣٣٢/ ١٧).
(٢) أخرجه أحمد، رقم الحديث: (٤٨٧٧)، وأبو داود، رقم الحديث: (٥٠٧٤)، وابن ماجه، رقم الحديث: (٣٨٧١)، حكم الألباني: صحيح، تخريج الكلم الطيب، رقم الحديث: (٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>