منصورًا، وعلا كعب بلال فوق الكعبة بعد أن كان يُجَرُّ في الرمضاء على جمر الفتنة، فنشر بذي طوى عن القوم من يوم قوله: أحد أحد، ورفع صوته بالأذان، فأجابته القبائل من كل ناحية، فأقبلوا يؤمون الصوت، فدخلوا في دين الله أفواجًا وكانوا قبل ذلك يأتون آحادًا.
فلما جلس الرسول على منبر العز وما نزل عنه قط؛ مدت الملوك أعناقها بالخضوع إليه، فمنهم من سلم إليه مفاتيح البلاد، ومنهم من سأله الموادعة والصلح، ومنهم من أقر بالجزية والصغار، ومنهم من أخذ في الجمع والتأهب للحرب ولم يدر أنه لم يزد على جمع الغنائم وسوق الأسارى إليه، فلما تكامل نصره وبلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاءه منشور ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ [الفتح: ١ - ٣] وبعده توقيع ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ [النصر: ١ - ٢] جاءه رسول ربه يخبره بين المقام في الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء ربه شوقًا إليه، فتزينت الجنان ليوم قدوم روحه الكريمة» (١).
وما سبق بعض من النماذج، وإلا فالسِّيَر غزيرة عظيمة بمظاهر نصر الله تَعَالَى.
[الأثر الرابع: تحقيق أسباب النصر]
نصرة العبد لربه في عبادته والقيام بحقوقه، ورعاية عهوده، واجتناب نهيه، قال تَعَالَى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧]، يقول القرطبي