للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرجة الشديدة المشقة، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل الله عليهما من نصره ما لا يخطر على البال، بداية بمعية الله معهما، فألهمه الثبات والسكينة والطمأنينة، والتأييد والحراسة من الملائكة، وعلو كلمة المؤمنين، يقول تَعَالَى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٤٠].

حين طُرد من مكة، فدخلها بعد عشر سنوات فاتحًا، يقول ابن القيم في وصف ذلك: «فصل: لما خرج رسول الله من حصر العدو دخل في حصر النصر: فعبثت أيدي سراياه بالنصر في الأطراف، فطار ذكره في الآفاق، فصار الخلق معه ثلاثة أقسام: مؤمن به، ومسالم له، وخائف منه، ألقى بذر الصبر في مزرعة ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥]، فإذا أغصان النبات تهتز بخزامى ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤]، فدخل مكة دخولًا ما دخله أحد قبله ولا بعده، حوله المهاجرون والأنصار لا يبين منهم إلا الحدق، والصحابة على مراتبهم، والملائكة فوق رؤوسهم، وجبريل يتردد بينه وبين ربه، وقد أباح له حرمه الذي لم يحله لأحد سواه.

فلما قايس بين هذا اليوم وبين يوم ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] فأخرجوه ثاني اثنين، دخل وذقنه تمس قربوس سرجه خضوعًا وذلًّا لمن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت إليه فيه الخليقة رؤوسها، ومدت إليه الملوك أعناقها، فدخل مكة مالكًا مؤيَّدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>