وقد جمعت كل طيب وهي الجنة، ودارا أخلصت للخبيث والخبائث، ولا يدخلها إلا الخبيثون وهي النار، ودارا امتزج فيها الطيب والخبيث، وخلط بينهما وهي هذه الدار؛ ولهذا وقع الابتلاء والمحنة بسبب هذا الامتزاج والاختلاط، فإذا كان يوم معاد الخليقة ميز الله الخبيث من الطيب، فجعل الطيب وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، وجعل الخبيث وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، فعاد الأمر إلى دارين فقط: الجنة وهي دار الطيبين، والنار وهي دار الخبيثين (١).
[الأثر الرابع: الحياة الطيبة جزاء الطيبين في الدنيا والآخرة]
فالمؤمن حاز طيب الحياة الأبدي في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك ما يلي:
أولًا: الحياة الطيبة في الدنيا:
إن أطيبَ العيشِ العيشُ مع الله، من ناله فقد نال أوفر الحظ والنصيب، يقول ابن القيم ﵀ في ذلك: «قد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته، فقال تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧].
وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضا، والرزق الحسن وغير ذلك، والصواب: أنها حياة القلب ونعيمه، وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله، ومحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة، كما كان بعض العارفين يقول: إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب، وقال غيره: إنه ليمر بالقلب أوقات