للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرقص فيها طربًا، وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح، فإنه ملكها، ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره، وهي عكس الحياة الطيبة، وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث، أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، والمعيشة الضنك- أيضًا- تكون في الدور الثلاث، فالأبرار في النعيم هنا وهنالك، والفجار في الجحيم هنا وهنالك، قال الله تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠]» (١)

ثانيًا: الحياة الطيبة في الآخرة:

لما طابت أقوال المؤمنين وأفعالهم في الدنيا، طابت لهم الدار الآخرة، وأنزلهم الله المساكن الطيبة، يقول رسول الله : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ» (٢)، فلايسمعون فيها إلا طيبًا: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة: ٢٥]، ولايرون إلا طيبًا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]، والزيادة هي رؤية وجه الكريم سُبْحَانَهُ، وحتى أنفسهم وأنفاسهم طابت؛ كما قال رسول الله : «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ، وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: جُشَاءٌ، وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ» (٣).


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٢٤٣).
(٢) أخرجه الحاكم، رقم الحديث: (١٢٠٠)، والبيهقي في الشعب، رقم الحديث: (٢٨٢٥)، حكم الألباني: صحيح، مشكاة المصابيح، رقم الحديث: (١٤).
(٣) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٢٨٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>