العفو في الأحكام الشرعية للمحتاج: فهو سُبْحَانَهُ وإن كان أوجب الوضوء لمن أراد الصلاة، إلا أنه عفا عمن لا يجد الماء أو لم يستطيع استعماله، وأباح له التيمم مراعاة لضعفه، ولو شاء لأعنته، وألزمه بالوضوء أبدًا، يقول تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: ٤٣].
العفو في ستر عباده في الدنيا والآخرة: فلايفضحهم في الدنيا، ويستر على كثير منهم في الآخرة، فيعرِّفهم بعض ذنوبهم، ثم يسترهم بغفرانه لها، بل ويبدلها حسنات، فَسُبْحَانَهُ ما أكرمه! وما أعظم عفوه وغفرانه! يقول تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [النجم: ٣٢].
فالله سُبْحَانَهُ بهذا الشمول الإلهي في عفوه قد أقام الحجة على عباده كلهم، فحري بهم أن يحسنوا عبادة ربهم، ويخلصوا توحيده سُبْحَانَهُ.
[الأثر الثاني: الثقة بعفو الله وعدم تضييع أمره ونهيه]
فإن كون الله سُبْحَانَهُ عفو كريم غفور لا يعني أن يسرف العبد في الخطايا والذنوب، ويتجرأ على معصية الله تَعَالَى، بحجة أن الله عفو غفور رحيم؛ لأن المغفرة لا تكون إلا بشروطها وانتفاء موانعها، قال سُبْحَانَهُ: ﴿إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٢٥] وقال ﷿: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل: ١١]، وهناك فرق كبير بين حسن الظن بالله والغرور.