الأثر الثالث: تعظيم العلي الأعلى المتعال سُبْحَانَهُ:
«فمن شهد مشهد علو الله على خلقه، وفوقيته لعباده، واستوائه على عرشه، كما أخبر به أعرف الخلق وأعلمهم به الصادق المصدوق، وتعبد بمقتضى هذه الصفة، بحيث يصير لقلبه صمد يعرج القلب إليه مناجيًا له مطرقًا واقفًا بين يديه وقوف العبد الذليل بين يدى الملك العزيز، فيشعر بأن كلامه وعمله صاعد إليه، معروض عليه، مع أوفى خاصته وأوليائه، فيستحى أن يصعد إليه من كلمه ما يخزيه ويفضحه هناك»(١).
وبذلك يثمر الإخلاص والتعظيم في قلبه لله تَعَالَى، فلا يخشى سواه ولايطلب الثواب من غيره سُبْحَانَهُ، ويكون ممن قال الله عنهم سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: ١٩ - ٢٠].
ولذا فمن سنة الرسول ﷺ في سجود الصلاة قوله:«سبحان ربي الأعلى»، وعلل ذلك بأن السجود غاية في الخضوع والتذلل من العبد بأشرف شيء فيه لله- وهو وجهه- بأن يضعه على التراب؛ فناسب في غاية سفوله أن يصف ربه بأنه الأعلى؛ فالعبد ليس له من نفسه شيء، وليس له من العظمة نصيب؛ فهو خلق من العدم.
[الأثر الرابع: محبة العلي الأعلى المتعال]
فمتى استوطنت في نفس العبد معرفة الله تَعَالَى بأسمائه العلي الأعلى المتعال سُبْحَانَهُ، فعلم كماله من كل الوجوه، وتنزهه عن النقص من كل الوجوه، وأخلص له عالمًا أنه المرجو وحده، والمخوف وحده ﷾؛
(١) طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم (ص: ٤٣).