الأثر الخامس: محبة الله الخالق الخلاق، البارئ، المصور سُبْحَانَهُ:
من تأمل في خلقه سُبْحَانَهُ وبرئه وتصويره لعباده في أحسن تقويم، وهدايته وتوفيقه، وتسخير الكون العظيم البديع كله لخدمته، وفق حكمة ربانية وعلم إلهي؛ أورث ذلك في قلبه محبة لله ﵎، وتعلقًا به سُبْحَانَهُ.
ذكر الله سُبْحَانَهُ الاعجاز في خلق الإنسان، والدعوة إلى التأمل في ذلك في مواضع عديدة في كتابه العظيم، ومن ذلك قوله تَعَالَى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: ٥] وقوله تَعَالَى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]، وقال تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧]، وقال أيضًا: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٢ - ١٤].
ويقول ابن القيم ﵀ في ذلك: «لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه، دعاه خالقه وبارئه ومصوره وفاطره من قطرة ماء إلى التبصر والتفكر في نفسه، فإذا تفكر الانسان في نفسه، استنارت له آيات الربوبية، وسطعت له أنوار اليقين، واضمحلت عنه غمرات الشك والريب، وانقشعت عنه ظلمات الجهل، فإنه إذا نظر في نفسه وجد آثار التدبير فيه قائمات، وأدلة التوحيد على ربه ناطقات شاهدة لمدبره، دالة عليه مرشدة إليه، إذا يجده مكونًا من قطره ماء لحومًا منضدة، وعظامًا مركبة، وأوصالًا متعددة، مأسورة مشددة