الناس على خلاف هذا، فتجد الواحد منهم يستخير ثم يحدث المقدور على خلاف ما يحب ويشتهي، فيسخط على ربه، ولا يرضى بحكمه، مع أن مقتضى الاستخارة التي لهج بها خلاف ذلك؛ إذ هي توكيل لله العليم الخبير بالأمر؛ ومن ثم الرضى بحكمه والتسليم إليه.
[الأثر الخامس: التسليم لشريعة العليم العالم علام الغيوب، والرضى بها]
إذا تيقن العبد اسم ربه العليم العالم علام الغيوب، وما فيه من تمام العلم بالخلق، وتمام الخبرة بما يصلح لهم من الأحكام والشرائع، كما قال تَعَالَى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٩]، وختم كثير من آيات الأحكام باسمه «العليم الحيكم» كقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٦٠]، وقوله سُبْحَانَهُ بعد أن ذكر أحكام الاستئذان: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ٥٨]، وقوله تَعَالَى بعد أن ذكر المحرمات من النساء: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٢٤]؛ دفعه هذا إلى التسليم والرضى بحكم الله الشرعي، سواء كان أمرًا أو نهيًا أو خبرًا، بل ويدعوه- أيضًا- إلى الفرح والاغتباط بحكمه؛ لأنه من لدن حكيم عليم.
ثم إن التسليم لحكم الله الشرعي والفرح به يقتضي الحكم به، والتحاكم إليه، وسلامة القلب من الحرج منه، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ