للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا» (١).

فإذا تيقن العبد عِظم شهادة الشهيد، وأنه لا أكبر منها ولا أعظم، وأيقن إقامته للشهود، ثم علم أنه شهد لنفسه بالتوحيد وأشهد خواص خلقه من الملائكة وأهل العلم عليه، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[آل عمران: ١٨]؛ أقام نفسه على توحيده سُبْحَانَهُ وإفراده بالعبادة، فلم يتوجه ولم يقصد غيره سُبْحَانَهُ (٢).

الأثر الثاني: الشهيد سُبْحَانَهُ يقيم شهودًا من خلقه يوم القيامة؛ لكمال عدله:

ومع أن شهادته سُبْحَانَهُ تعتبر أكبر شهادة وكفى بها، إلا أن الله من تمام عدله لا يكتفي بشهادة نفسه سُبْحَانَهُ بل يقيم الشهود يوم القيامة، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٦٩].


(١) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٢٢٩١).
(٢) ينظر: تفسير السعدي (ص: ١٢٤ - ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>