للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر الثالث: التوكل على الله والاستعانة به]

كل إنسان عنده مطالب ومخاوف، وربما تعلق بما عنده أو عند غيره من القوة البدنية أو المالية أو النسبية أو نحو ذلك؛ لتحصيل مطلوبه أو دفع مكروهه، لكن إذا نظر لنفسه وللخلق من حوله بعين البصيرة، وجد أن الكل ولو أوتي من القوة ما أوتي فقير مسكين، ليس له من القوة ولا الحول إلا ما أعطاه الله إياه وأذن له فيه، ثم إن قوته قد تعجز عن مراده، ولربما بخلت بقضاء حاجته، وربما سعت، لكن وقفت أمامها قوة أخرى، فإذا كان هذا حال قوته، ففيما التعلق به؟!.

ثم إذا نظر من جانب آخر إلى ربه القوي المتين، وجد أنه غني لا يحتاج لإنفاذ قوته لإذن أحد ولا معونته، ثم إنه على كل مطالبه ومخاوفه قادر، وهو مع ذلك كريم لا يبخل، ولا يمكن لقوة مهما كانت أن تغلب قوته أو تدافعها أو تعارضها، فالقوة جميعًا له سُبْحَانَهُ ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ١٦٥].

فإذا حصل النَّظَران تواضع العبد لربه وخضع، وانقطع عن قلبه التعلق بقوته والاغترار بها (١)، وكذا قوة المخاليق من حوله، وتعلق بالقوي المتين توكلًا واستعانة وتفويضًا لأمره كله، وتبرؤًا من الحول والقوة إلا به (٢).

وهذه حقيقة «لا حول ولا قوة إلا بالله»؛ إذ هي كلمة إسلام واستسلام، وتفويض والتجاء وتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا، وليس له حيلة في دفع شر، ولا قوة له في جلب خير إلا بإذن الله،


(١) المراد: قوة نفسه.
(٢) ينظر: فقه الأسماء الحسنى، البدر (ص: ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>