فلا بد للتائب أن يعيش بين محاسبتين، محاسبة قبل توبته تقتضي وجوبها، ومحاسبة بعدها تقتضي حفظها، فالتوبة محفوظة بمحاسبتين، وقد دل عليها قوله تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾
[الحشر: ١٨].
فأمر سُبْحَانَهُ العبد أن ينظر ما قدم لغد، والمقصود من هذا النظر هو ما يوجبه ويقتضيه من كمال الاستعداد ليوم المعاد، وتقديم ما ينجيه من عذاب الله، ويبيض وجهه عند الله، قال عمر بن الخطاب ﵁:«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية»(١).
[٧ - التزام العمل الصالح]
فقد نص القرآن الكريم في آيات كثيرة على العمل الصالح وقرنه بالتوبة، يقول تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٠]، وقال ﷻ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢]، وقال أيضا: ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ [القصص: ٦٧]، وأمر الرب سُبْحَانَهُ خليله ومصطفاه ﷺ فقال: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ [الشرح: ٧ - ٨].
يقول ابن كثير ﵀: «أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت
(١) أخرجه ابن أبي شيبة، رقم الحديث: (٣٤٤٥٩)، حكم الألباني: موقوف، السلسلة الضعيفة، رقم الحديث: (١٢٠١).