للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضًا ﵀: «العاقل يلزم الرفق في الأوقات، والاعتدال في الحالات؛ لأن الزيادة على المقدار في المبتغى عيب، كما أن النقصان فيما يجب من المطلب عجز، وما لم يصلحه الرفق لم يصلحه العنف، ولا دليل أمهر من رفق، كما لا ظهير أوثق من العقل، ومن الرِّفق يكون الاحتراز، وفي الاحتراز تُرجَى السلامة، وفي ترك الرِّفق يكون الخرق، وفي لزوم الخرق تُخَافُ الهلكةُ» (١).

[الأثر السادس: الرفق في التعامل مع الخلق]

فحقيقة الرفق هي: التحكم في هوى النفس ورغباتها، وحملها على الصبر والتحمل والتجمل، وكفها عن العنف والتعجل، والعلم بأن الصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم، والرفق بالترفق، وحسن الخلق كله بالتخلق، ومن يتوخ الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه.

يقول ابن الجوزي ﵀: «اعلم أنه إنما كان جهاد النفس أكبر من جهاد الأعداء؛ لأن النفس محبوبة وما تدعو إليه محبوب؛ لأنها لا تدعو إلا إلى ما تشتهي وموافقة المحبوب في المكروه محبوبة، فكيف إذا دعا إلى محبوب؛ فإذ عكست الحال وخولف المحبوب فيما يدعو إليه من المحبوب اشتد الجهاد، وصعب الأمر، بخلاف جهاد الكفار؛ فإن الطباع تحمل على خصومة الأعداء، وقال ابن المبارك- في قوله تَعَالَى-: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨] قال: هو جهاد النفس والهوى» (٢).


(١) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(٢) ذم الهوى، لابن الجوزي (ص: ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>