للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠ - حياء المرء من نفسه: فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، فيجد نفسه مستحييًا من نفسه، حتى كأن له نفسين، يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر (١).

ثالثًا: تقسيم الحياء باعتبار المستحيَى منه:

[١ - الحياء من الله]

إن أعظم أنواع الحياء على الإطلاق وأرفعها وأجلها: هو الحياء من الله تَعَالَى، يقول تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: ١٤]، ويقول تَعَالَى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١]، ويقول أيضًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].

والحياء من الله يكون باتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه، ومراقبة الله في السر والعلن، قال رسول الله ﷺ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحْيِيَ مِنَ اللهِ ﷿، كَمَا تَسْتَحْيِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ» (٢) وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين، وهي مرتبة الإحسان الذي يُحس فيها العبد دائمًا بنظر الله إليه، وأنه يراه في كل حركاته وسكناته، فيتزين لربه بالطاعات، وهذا الحياء يجعله دائمًا يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه؛ لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجلُّ.


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٢/ ٢٥١ - ٢٥٢).
(٢) أخرجه أحمد في الزهد، رقم الحديث: (٢٤٨)، والطبراني في الكبير، رقم الحديث: (٥٥٣٩)، حكم الألباني: صحيح، صحيح الجامع الصغير، رقم الحديث: (٢٥٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>