للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى خرج صحيحًا سليمًا عاقلًا، لا مجنونًا ولا معتوهًا ولا سفيهًا، وأحسن إليه بما رزقه من الطعام والشراب واللباس وسعة المال حتى لا يحتاج معه إلى أحد من الخلق، وأحسن إليه بأن علمه بعد أن كان جاهلًا ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٨]، وأحسن إليه بالأهل والولد والعشيرة الذين يأوي إليهم ويأنس بهم ويتقوى بقربهم، وأحسن إليه بالأمن والاستقرار، إلى غير ذلك من آلائه وإحسانه الذي لا ينقطع مع كل شهيق وزفير (١).

فإذا تأمل ذلك العبد امتلأ قلبه محبة ومودة له ؛ «فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن إليها، فأيُّ إحسان أعظم من هذا الإحسان الذي يتعذر إحصاء أجناسه فضلًا عن أنواعه، فضلًا عن أفراده، وكلُّ نعمة منه تطلب من العباد أن تمتلئ قلوبهم من مودته وحمده وشكره والثناء عليه» (٢).

[الأثر الرابع: الفرح بشريعة المحسن والتمسك بها]

كان من إحسان المحسن ﷿ إلى خلقه أن تولى بنفسه الحكم والفصل بينهم بما أنزل من الأحكام والشرائع، ولم يتركهم هملًا يحكمون بأهوائهم وآرائهم وعقولهم القاصرة، بل تكفل بذلك، فحكم عن رحمة وحكمة وعلم حتى صار حكمه أكمل الأحكام، وشرعه أتم الشرائع وأحسنها، متميزًا عن القوانين الوضعية والديانات المحرفة، قال تَعَالَى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠].


(١) ينظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، للقرطبي (١/ ٥١٢).
(٢) فتح الرحيم الملك العلام (١/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>