العقول الصحيحة، فاتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة، مثل أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبب إليه جهده وطاقته، ويُحسن إلى خلقه ما استطاع فيفعل بهم ما يحب أن يفعلوا به، ويعاملوه به ويَدَعَهم مما يحب أن يدعُوه منه، وينصحهم بما ينصح به نفسه، ويحكم لهم بما يحب أن يحكم له به، ويكف عن أعراضهم ولا يقابلهم بما نالوا من عرضه، وإذا رأى لهم حسنًا أذاعه، وإذا رأى لهم سيئًا كتمه، ويقبل أعذارهم ما استطاع؛ فيما لا يُبطل الشريعة، ولا يُناقض لله أمرًا ولا نهيًا، وله- أيضًا- من الأخلاق أطيبها وأزكاها، كالحلم والوقار والسكينة والرحمة والوفاء، وسهولة الجانب ولين العريكة، والصدق وسلامة الصدر من الغل والغش والحقد والحسد، والتواضع وخفض الجناح لأهل الإيمان والعزة، والغلظة على أعداء الله، وصيانة الوجه عن بذله وتذلله لغير الله، والعفة والشجاعة والسخاء والمروءة، وكل خلق اتفقت على حسنه الشرائع والفطر والعقول.
وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها، وهو الحلال الهنيء المريء الذي يُغذِّي البدن والروح أحسن تغذية مع سلامة العبد من تبعته، وكذلك لا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها، ومن الروائح إلا أطيبها وأزكاها، ومن الأصحاب والعُشراء إلا الطيبين منهم، فروحه طيبة، وبدنُه طيب، وخُلُقُه طيب، وعملُه طيب، وكلامه طيب، ومطعمه طيب، ومشربه طيب، وملبسه طيب، ومدخله طيب، ومخرجه طيب، ومنقلبه طيب، ومثواه كله طيب، فالله ﷾ جعل الطيب بحذافيره في الجنة، وجعل الخبيث بحذافيره في النار.
فجعل الدور ثلاثة: دارًا أخلصت للطيبين، وهي حرام على غير الطيبين،