للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غاية ولا نهاية؛ لا في وجوده، ولا في مزيد جوده؛ إذ هو (الأول) الذي ليس قبله شيء، و (الآخر) الذي ليس بعده شيء، ولا نهاية لحمده وعطائه؛ بل كلما ازداد له العبد شكرًا: زاده فضلًا، وكلما ازداد له طاعة: زاده لمجده مثوبة، وكلما ازداد منه قربًا: لاح له من جلاله وعظمته ما لم يشاهده قبل ذلك، وهكذا أبدًا لا يقف على غاية ولا نهاية، ولهذا جاء: إن أهل الجنة في مزيد دائم بلا انتهاء (١).

فإن نعيمهم متصل ممن لا نهاية لفضله ولا لعطائه؛ ولا لمزيده، ولا لأوصافه، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٤]، (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ) (٢)» (٣).

وقد يبدو في الظاهر أن بقاء أهل الجنة والنار أبدًا، متعارض مع إفراد الله ﷿ بالبقاء، وأنه الآخر الذي ليس بعده شيء، لكن هذا التعارض يزول إذا علمنا أنه لا بد أن نفرق في قضية البقاء والآخرية بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقي بإبقاء الله، أو نفرق بين بقاء الذات والصفات الإلهية، وبقاء المخلوقات التي أوجدها الله كالجنة والنار وما فيهما؛ فالجنة مثلًا باقية بإبقاء الله وما يتجدد فيها من نعيم متوقف في وجوده على مشيئة الله، أما ذاته وصفاته فباقية ببقائه، وشتان بين ما يبقي ببقاء الله وما يبقي بإبقائه، فالجنة مخلوقة خلقها الله ﷿ وكائنة


(١) مدارج السالكين (٢/ ٢٥٦).
(٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٢٥٧٧).
(٣) مدارج السالكين (٢/ ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>