فعندما نتحدث عن نعمة البصيرة نتحدث عن أناس كثر حرمهم الله نور البصر، ولكنه فتح لهم نور البصيرة، وهو الأهم والأنفع، يقول تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]، فكم من بصير يرى وينظر، ولكنه لم يبصر طريق الهداية والصلاح، فيرى الحق باطلًا والباطل حقًّا، ولا يعرف معروفًا أو ينكر منكرًا، وهذا- والعياذ بالله- يفقد بصره في الدنيا، كما فقده في الآخرة، يقول تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢]، ويقول سُبْحَانَهُ عن حال من عميت بصيرته يوم القيامة: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٥ - ١٢٦].
ولذا كانت أعظم نعمة يعطيها الله للعبد نور البصيرة ورؤية الحق واتباعه، ورؤية الباطل واجتنابه.
وهو ما يمثله قصة يوسف ﵇ مع امرأة العزيز، وكانت ذات منصب وجمال، وهي التي دعته وغلقت الأبواب، ولكن ماذا فعل؟ يقول تَعَالَى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٣ - ٢٤].
وقد ذكر ابن القيم ﵀ ثلاث درجات للبصيرة، من استكملها فقد استكمل البصيرة، وهي: بصيرة في الأسماء والصفات، وبصيرة في الأمر والنهي، وبصيرة في الوعد والوعيد.