وسع حلمُه فرعونَ مع شدة طغيانه وعتوه، وإفساده في الأرض، حتى قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾، فحلم عليه، فلم يعاجله بالعقاب، وأمر رسله بالرفق معه في القول، فقال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤]، وقال: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ [النازعات: ١٨].
ووسع أصحابَ الأخدود، كفروا به وراودوا المؤمنين للرجوع عن دينهم ومتابعتهم على كفرهم، فامتنعوا، فشقوا الأخدود في الأرض وأججوا فيه النار، ثم فتنوا المؤمنين وعرضوهم على النار، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن امتنع قذفوه، وهذا في غاية المحاربة والمحادة لله وأوليائه، ومع ذلك كله حلم بهم ودعاهم للتوبة والرجوع، قال تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: ١٠] قال الحسن البصري ﵀: «انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة»(١).