للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما سعة حلمه:

فهو الحليم الذي وسع حلمه كل شيء، حلم على من أشرك به وعبد غيره، وحلم على من كفر به وعادى أوليائه ورسله، وحلم على من حارب دينه وسعى في إطفاء نوره، حلم على من شتمه وكذبه، كما قال فيما يرويه عن ربه ﷿: «يَشْتُمَنِي وَتَكَذَّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ. أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي وَلَدًا وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي» (١) (٢).

وَسِعَ حلمُه من قال فيه قولًا تكاد السماوات والأرض تنفطر منه وتخر له الجبال هدًّا، أن دعوا للرحمن ولدًا، فصبر عليهم وأمهلهم وأنعم عليهم وعافاهم ورزقهم، كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري ، عن النبي : «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، يَدْعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» (٣).

ويدعوهم إلى بابه بخطاب في غاية اللطف واللين؛ ليتوبوا من هذا الذنب العظيم، فيجازيهم بالثواب الجزيل ويغفره لهم، قال تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٣، ٧٤] (٤).


(١) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٣١٩٣).
(٢) ينظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن القيم (ص ٢٣٨).
(٣) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٧٣٧٨)، ومسلم، رقم الحديث: (٢٨٠٤).
(٤) ينظر: تفسير السعدي (ص ٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>