للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبقي البر التقي وقد يقيه الآفات والبلايا وهو غافل لا يذكره، فضلًا عن أن يدعوه، كما يقيها الناسك الذي يسأله، وربما شغلته العبادة عن المسألة» (١).

بل من عظيم حلمه- جل في علاه- أن يعصي العاصي فيحلم به فيستره، ولا يفضحه، ويقيض له الأسباب لستره، ويكره منه أن يذيع معصيته ويشهر بها، حتى قال : «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» (٢).

ومن عظيم حلمه به: أن أمر عباده بستره وعدم فضحه، ورتب على ذلك الثواب العظيم، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (٣).

وهو الحليم الذي لولا حلمه لهلك العباد، قال تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥]، وقال: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨].

وهو الحليم الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وأمسكهما من أن تزولا من كثرة ذنوب بني آدم، قال تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤١)[فاطر: ٤١].


(١) المنهاج في شعب الإيمان (١/ ٢٠٠ - ٢٠١).
(٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٦٠٦٩)، ومسلم، رقم الحديث: (٢٩٩٠).
(٣) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٢٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>