يرى عباده وهم يكفرون به، ويراهم وهم يبارزونه بالعصيان ليل نهار، وهو قادر على أن ينتقم منهم ويبادرهم بالعقاب، مع غناه عنهم وعدم حاجته إليهم، ومع ذلك كله يحلم بهم؛ لحكمة، فيؤخر وينظر ويؤجل، ولا يعاجلهم بالعقاب، لعلهم يرجعون وينيبون، فإذا رجعوا قبل توبتهم وغفر خطيئتهم وشكر لهم سعيهم ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٣٥].
قال الزجاجي ﵀:«فالله ﷿ حليم عن عباده؛ لأنه يعفو عن كثير من سيئاتهم ويمهلهم بعد المعصية، ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام، ويقبل توبتهم بعد ذلك»(١).
وهو الحليم الذي لا يقطع نعمته عمن غفل عنها وقصر في شكرها، بل لربما نسبها لغيره وشكره عليها، ونسي واهبها ومسديها، فيحلم عليه، ويمده منها.
وهو الحليم الذي لا يمنع نعمته عمن عصاه، يواليهم بالنعم، ويغدق عليهم بالمنن مع معاصيهم وكثرة ذنوبهم، بل إن العاصي لا يمكنه أن يعصي إلا أن يتقوى عليها بنعم الله عليه سمعًا وبصرًا ويدًا وقدمًا وصحة ومالًا ونحو ذلك، فيحلم به فلا يسلبها منه، ولا يحرمه منها، بل لربما زاده منها.
قال الحليمي ﵀: «الذي لا يحبس إحسانه وأفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكن يرزق العاصي كما يرزق المطيع وهو منهمك في معاصيه، كما