فاليقين بأن الله الملك نواصي العالمين بيده يتصرف فيهم كيف شاء، ليس لأحد منهم الخروج عن ملكه وسلطانه يبعث في النفوس الشعور بالخوف والمهابة للملك وحده ﵎؛ فإن كل من دونه مملوك مذلل لا يملك شيئًا من الضر، فالخوف منه وهم باطل؛ لذا لما هدد قوم عاد نبيهم هودًا ﵇، قال متحديًا لهم، ذاكرًا صفة الملك والقهر لله تَعَالَى، معرِّضًا بأنهم لا يملكون شيئًا من الضر إلا بإذنه: ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٤ - ٥٦].
واليقين بأن الله الملك الذي بيده خزائن السموات والأرض لا تنفذ ولا تنقص، ولا يعجزه ولا يمنعه شيء عن إيصالها لمملوكيه، قال تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٦] يبعث في النفوس الشعور بالرجاء والطمع فيما عند الملك وحده دون ما سواه؛ فإن من دونه لا يملك شيئًا، فرجاؤه باطل، قال ﷺ لابن عباس ﵄، مقررًا هذا المعنى وما قبله:«وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»(١).
ثم إن اليقين بقوله تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٢٠] مع فقر العبد
(١) أخرجه الترمذي واللفظ له، رقم الحديث: (٢٥١٦)، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم الحديث: (١٩٢)، حكم الألباني: صحيح، صحيح وضعيف سنن الترمذي، رقم الحديث: (٢٥١٦).