العابدون، فعرفوا ربهم، والتفت إليه قلوبهم، وتخلت عن كل ما عداه.
يقول ابن تيمية ﵀ في ذلك:«وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله»(١).
ولمحبة الله الصادقة أربعة شروط، ذكرها ابن القيم ﵀، وهي:
الأول: أن يحب الله ﷿ حبًّا من جنس حب العبادة المقرون بالذلة والخضوع والإفتقار والطاعة المطلقة، حبًّا لا يشابه أي حب آخر، حبًّا لا يشابه حب الشهوة للنساء، ولا حب البر للآباء، ولا حب الشفقة بالأبناء، ولا حب الندية للأصدقاء بل يحبه حب العابد لربه، والمخلوق لخالقه، والمملوك لمالكه، والمرزوق لرازقه، حبًّا مقرونًا بالخشية، قال تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٠].
الثاني: ألا يحب شيئًا مثله معه، بل ولا تبقى مثقال ذرة من هذا الحب- أي حب العبادة- إلا صرفها لله وحده، فلا يحب أحدًا غير الله ﷿ مثله في النوع، وكذلك في الكمية، فلا يحب أحدًا أكثر من الله، بل لا يحب أحدًا مثل الله أصلًا، حتى وإن كان حبه لهذه الأشياء ليس حب العبادة، فمن فعل ذلك عرض نفسه لعقوبة الله ﷿، فقد قال تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: ٢٤].