للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن من أكبر الدلائل على محبة القرآن: السعي إلى تفهمه وتدبره والتفكر في معانيه، كما أن من دلائل خفة تلك المحبة أو عدمها: الإعراض عن تدبره وتأمل معانيه، قال تَعَالَى ذامًّا المنافقين على عدم تدبر القرآن: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢].

ولذا كان السلف يستشعرون هذا المعنى وهم يقرءون القرآن، حتى إنهم كانوا يتلقونه تلقي الغائب الغريب لرسالة جاءت على شوق من الحبيب، قال الحسن بن علي : «إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها بالنهار» (١).

فقراءة القرآن وتدبره تشريف للبشر وكرامة، يقول ابن الصلاح : «قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها البشر، فقد ورد أن الملائكة لم يعطوا ذلك، وأنها حريصة على استماعه من الإنس» (٢)، ولأن القرآن هو الدال على الله وعلى محاب الله، فلا جرم أن كانت محبته هي طريق القلب والعقل لمعرفة الله وما يحبه، ومما يدل على ذلك: أن رجلًا من أصحاب النبي ، استجلب محبة الله بتلاوة سورة واحدة وتدبرها ومحبتها، وهي سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن سُبْحَانَهُ فظل يرددها في صلاته، فلما سئل عن ذلك قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي : «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ» (٣)، وفي الحديث الآخر، قال ابن مسعود :


(١) التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي (ص: ٢٨).
(٢) الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (١/ ٢٩١).
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>