للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المأكولات من غير هز ولا غيره، إلا أنه سُبْحَانَهُ علمنا بهذا أن نأخذ بالأسباب مع الأمل و الثقة به.

٢ - أن رسول الله وصحابته من أكمل الناس توكلًا، ومع ذلك أخذوا بالأسباب، فأخذوا الزاد في الأسفار، وتاجروا في الأسواق، واتقو البرد والحر، ولبسوا الدروع والمغافر في الحروب، وأخذ رسول الله وصاحبه أبو بكر في طريق الهجرة دليلًا يدلهم على الطريق، وخرجا في وقت يغفل الناس فيه، ومن طريق غير متوقع، كل هذا أخذًا بالأسباب، مع أن الله تَعَالَى قال لنبيه : ﴿حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٦٢]، وقال تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].

٣ - أن رسول الله حكى لنا كمال توكل الطيور مع أخذها بالأسباب، قال رسول الله : «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا (١)» (٢)، قال المناوي : «أشار بذلك إلى أن التوكل ليس التبطل والتعطل، بل لا بد فيه من التوصل بنوع من السبب؛ لأن الطير ترزق بالسعي والطلب، ولهذا قال أحمد: ليس في الحديث ما يدل على ترك الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق، وإنما أراد لو توكلوا على الله في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وعلموا أن الخير


(١) (تغدو) أي: تذهب أول النهار (خماصًا) بكسر الخاء جمع خميص، أي: جياعًا (وتروح) أي: ترجع آخر النهار (بطانًا) بكسر الباء جمع بطين، وهو: عظيم البطن، والمراد: شباعًا. ينظر: تحفة الأحوذي (٧/ ٧).
(٢) أخرجه أحمد، رقم الحديث: (٢١٠)، والترمذي، رقم الحديث: (٢٣٤٤)، وابن ماجه، رقم الحديث: (٤١٦٤)، حكم الألباني: صحيح، صحيح وضعيف الترمذي، رقم الحديث (٢٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>