ومن هنا سميت بالشرعية والأمرية والدينية، وهذه الإرادة قد تتحقق كحصول الإيمان من المؤمن، وقد لا تتحقق كحصول الكفر من الكافر، فالله تَعَالَى لا يريد الكفر، بمعنى: لا يحبه ولا يرضيه ذلك، ومع ذلك أوقعه بإرادته الكونية؛ قال تَعَالَى في الإرادة الشرعية: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧].
وعلى هذا فإن قال قائل: هل أراد الله الكفر؟ الجواب: بالإرادة الكونية نعم، أراده، ولو لم يرده الله لم يقع، فالإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد، والشرعية لا يلزم، أيضًا الإرادة الكونية عامة فيما يحبه تَعَالَى وما لا يحبه، أما الشرعية فتختص فيما يحبه الله سُبْحَانَهُ فقط (١).
فالله سُبْحَانَهُ جبر خلقه على ما شاء من أمر أو نهي، بمعنى: أنه شرع لهم من الدين ما ارتضاه هو، فشرع لهم الشرائع، وأمرهم باتباعها ونهاهم عن العدول عنها، فمن أطاع فله الجنة، ومن عصى فله النار، ولم يجبر أحدًا من خلقه على إيمان أو كفر، بل ترك لهم المشيئة في ذلك.
يقول ابن القيم ﵀: «فالجبر معناه: القهر والقدرة، وأنه سُبْحَانَهُ قادر على أن يفعل بعبده ما شاء، وإذا شاء منه شيئًا وقع ولا بد، وإن لم يشأ لم يكن، ليس كالعاجز الذي يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء، والفرق بين هذا الجبر وجبر المخلوق لغيره من وجوه:
أحدها: أن المخلوق لا قدرة له على جعل الغير مريدًا للفعل محبًّا له، والرب تَعَالَى قادر على جعل عبده كذلك.
(١) ينظر: شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين (ص ٢٢٢).