فإن العبد إذا توكل على الله واعتمد عليه في جلب منافعه ودفع مضاره، وأخذ مع ذلك بالأسباب، وجد الله متوليًا لأمره، مراعيًا لحاله، حافظًا له ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣]«كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء»(١)، وهذا عين التوفيق.
وضد ذلك: الخذلان، فإن العبد إذا اعتمد على نفسه وحوله وقوته؛ تركه الله لهذا كلِّه وخلَّاه، وهذا هو عين الخذلان.
وأوضح الله لنا هذا المعنى بما أورد في كتابه من قصص:
فها هي أم موسى لما فوَّضَت أمرها إلى الله حفظ ابنها وردَّه إليها، قال تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٧ - ٨].
وهذا موسى يقول له قومه- بعد أن كان البحرُ أمامَهم والعدوُّ وراءَهم-: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾، فيصدع قائلًا: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢]، فأوحى الله إليه: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ [الشعراء: ٦٣]، فكانت النتيجة ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣].