للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما من مخلوق له قوة إلا والله أقوى منه، بل لا تناسب بين القوتين؛ فقوة المخلوق محدودة ببعض الشيء، وقوته سبقها عجز ويلحقها عجز كذلك، وقوته يعتريها التعب والوهن والفتور، وقوته تنزع بعض الأحيان منه، بل ولا بد لها من الفناء والزوال، إضافة إلى أنها قوة فقير يفتقر معها إلى الأعوان والجند، بل يفتقر إلى عون القوي المتين، وقوته لا حدَّ لها، بل هو على كل شيء قدير، لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، ولا يعيه خلق شيء مهما كان، ولا يمسه نصب ولا لغوب، ولا تتناقص قوته ولا تفنى، بل لها الدوام أبدًا، ومع ذلك لا يحتاج معها إلى جند ولا مدد ولا إلى معين أو عاضد ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥] (١).

بل إن قوة المخلوق إنما هي من آثار قوته، فجميع القوى هي له سُبْحَانَهُ، فهو الذي أودع المخلوقات ما فيها من قوة، ولو شاء لسلبها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ١٦٥]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: ٣٩] (٢)، ولما اغترت عاد بقوتها، وقالت: من أشد منَّا قوة؟ ذكرهم الله بخلقه لهم ولقواهم، فقال: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥] (٣).


(١) ينظر: شرح القصيدة النونية، للهراس (٢/ ٧٨).
(٢) ينظر: شرح القصيدة النونية، للهراس (٢/ ٧٨ - ٧٩).
(٣) ينظر: تفسير ابن كثير (٧/ ١٦٩)، وتفسير السعدي (ص: ٧٤٦)، وشرح القصيدة النونية، للهراس (٢/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>