للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى : ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] «أي: إن موسى أولى من استُؤجِر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجَر: من جمعهما، أي: القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملًا بإجارة أو غيرها، فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل … ». (١)، وجاء في الحديث عن عائشة أن رسول الله قال: (إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ) (٢)، وهكذا القوة في سائر الأمور.

وليس معنى هذا: الظلم والتسلط والبطش بالضعفاء والمساكين، ومن تحت يد الإنسان من الزوجة، والولد، والعاملين، والتلاميذ، والخدم، ونحو ذلك، قال تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: ٩ - ١٠] بل هذه القوة سبب لعقوبة الله وعذابه، فهذه عادٌ لما استعملت قوتها في الظلم والبغي أهلكها القوي المتين، قال الله عنهم: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت: ١٥ - ١٦]، وقال لهم نبيهم: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء: ١٢٨ - ١٣١] إلى أن قال سُبْحَانَهُ: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ


(١) تفسير السعدي (ص: ٦١٤).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>