وهذه الهداية هي الهداية الخاصَّة، وهي خاصة بالله تَعَالَى، لا يقدر عليها إلا هو، ولايشاركه فيها ملك مُقرَّب ولا نبي مُرسَل، يقول تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: ٥٦]،
وهذه الهداية تأتي بعد هداية البيان؛ تحقيقًا لقوله تَعَالَى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: ٧٦]، ولا تُنال إلا لِمَن حقَّق شروطها، واستَوفَى أسبابها، يقول تَعَالَى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٥ - ١٦].
وهذا النوع من الهداية يستلزم أمرَين:
أحدهما: فعل الربِّ تَعَالَى، وهو الهدى بخلق الداعية إلى الفعل
والمشيئة له.
الثاني: فعل العبد، وهو الاهتداء وهو نتيجة للفعل الأول «الهدى»؛ قال تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٣]، ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧]، ولا سبيل إلى وجود الأثر الذي هو الاهتداء من العبد إلا بعد وجود المؤثِّر الذي هو الهداية من الله، فإذا لم يحصل فعل الله لم يحصل فعل العبد، وهذا النَّوع من الهداية لا يقدر عليه أحدٌ إلا الله سُبْحَانَهُ، قال أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا