للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: ٨، ٩]، أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان.

فأما نفس الدين، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه، وصار له الظهور والقهر.

وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واستناروا بنوره، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان، إلا أن الله قد يبتليهم في وقت من الأوقات؛ ليعلم المؤمن الصادق الثابت على الحق من المنافق أو ضعيف الإيمان، قال تَعَالَى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢].

أما إذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه؛ لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم (١).

فإذا علم هذا فعلى المسلمين أن يقوموا بالدين ويتمسكوا به ويثقوا بنصر الله ووعده ولو عظم البلاء واشتد، فهذا رسول الله يوم الأحزاب، وقد عظم البلاء على المؤمنين، واشتد الخوف، فأتاهم عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل ظن، وإذا به يقول: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُفَرَّجَنَّ عَنْكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ، فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ آمِنًا، وَأَنْ يَدْفَعَ اللهُ ﷿ مَفَاتِحَ الْكَعْبَةِ، وَلَيُهْلِكَنَّ اللهُ


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص ٨٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>