أدناهم- وحاشاهم أن يكون فيهم دنيء- على كثبان المسك، وما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا.
حتى إذا استقرَّت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟! ألم يبيِّض وجوهنا؟! ويثقِّل موازيننا؟! ويدخلنا الجنة؟! ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار ﷻ وتقدَّست أسماؤه، قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب ﵎ يضحك إليهم، ويقول: يا أهل الجنة، فيكون أول ما يسمعونه منه تَعَالَى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب، ولم يروني؟ فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه، فيكشف لهم الرب ﷻ الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تَعَالَى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تَعَالَى محاضرةً، حتى أنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكِّره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي، فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلَّة الرّاجعين بالصفقة الخاسرة، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٥].