للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل الرجل الذي أحدث بين يديه؛ للستر له والرفق به، وليس ذلك بمنزلة أمره له بالوضوء من بينهم وحده في الستر له لو فعل ذلك» (١).

وقد نهج الصحابة وسلف الأمة العظماء هذا النهج الأكمل والخلق الأجمل، كما ذكر طرفًا من ذلك ابن بطال في نصه السالف، فهذا أبو بكر يقول: «لو أخذت سارقًا لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت شاربًا لأحببت أن يستره الله ﷿» (٢).

وبلغ عمر بن الخطاب أن أحد قوَّاده على جيش من الجيوش قال لمن معه: إِنَّكُمْ نَزَلْتُمْ أَرْضًا فِيهَا نِسَاءٌ وَشَرَابٌ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ حَدًّا، فَلْيَأْتِنَا حَتَّى نُطَهِّرَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «لَا أُمَّ لَكَ تَأْمُرُ قَوْمًا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَهْتِكُوا سِتْرَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ» (٣).

وهذه أم المؤمنين عائشة ، تعبر عن معنى الستر تعبيرًا موجزًا رائعًا بديعًا يأخذ بالألباب، تقول: «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَعْجِزُ إِحْدَاكُنَّ إِذَا أَذْنَبَتْ فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيَّرُونَ وَلَا يُغَيِّرُونَ، وَإِنَّ اللَّهَ يُغَيِّرُ وَلَا يُعَيَّرُ» (٤).

ومن الستر على عباد الله: النهي عن تتبع عوراتهم، وتوعد في ذلك، ففي الحديث: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا


(١) شرح ابن بطال لصحيح البخاري (٩/ ٢٨٦).
(٢) مكارم الأخلاق، للخرائطي، رقم الحديث: (٥٣٨).
(٣) أخرجه وكيع في الزهد، رقم الحديث: (٤٥٥)، وهناد في الزهد (٢/ ٦٤٦).
(٤) أخرجه إسحاق ابن راهويه في مسنده، رقم الحديث: (١٦٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>