للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسيطة، تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة … وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي ، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه، بل غلا، وأوغل في العبادات: فإن الدين يغلبه، وآخر أمره العجز والانقطاع، ولهذا قال: (وَلَن يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ)، فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو، ولم يقتصد: غلبه الدين، واستحسر ورجع القهقرى» (١).

ومن شواهد الرفق والنهي عن التشدد في العبادة فوق ما شرع الله، ما يلي:

- حديث عائشة : «أنَّ الحولاء بنت تُوَيْتِ بن حبيب بن أسد بن عبد العزَّى مرَّت بها، وعندها رسول الله قالت: فقلتُ: هذه الحولاء بنت تويت، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله : «لَا تَنَامُ اللَّيْلَ! خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ لَا يَسْأَمُ اللهُ حَتَّى تَسْأَمُوا» (٢).

- حديث أنس بن مالك ، قال: «جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَر: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (٣).


(١) بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، للسعدي (ص: ٧٨).
(٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٧٨٥).
(٣) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٥٠٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>