النعمةَ، فتمام النعمة أن يكون غيرَ ممنونٍ بها على المنعَم عليه.
وهذا القول خطأ قطعًا، أُتي أربابُهُ من تشبيه نعمة الله على عبده بإنعام المخلوق على المخلوق، وهذا من أبطل الباطل؛ فإن المنة التي تُكَدِّرُ النعمةَ هي منة المخلوق على المخلوق، وأما منة الخالق على المخلوق ففيها تمام النعمة، ولذتها، وطيبها؛ فإنها منة حقيقية، قال تَعَالَى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: ١٧]، وقال تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الصافات: ١١٤ - ١١٥]؛ فتكون منةً عليهما بنعمة الدنيا، دون نعمة الآخرة، وقال أهل الجنة: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧]، وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال للأنصار:(أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي، وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي، وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ فَقَالَ: أَلَا تُجِيبُونِي؟ فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ)(١)؛ فهذا جواب العارفين بالله ورسوله ﷺ، وهل المنة إلا لله المان بفضله، الذي جميع الخلق في منته؟ وإنما قبحت منة المخلوق؛ لأنها منة بما ليس منه، وهي منة يتأذى بها الممنون عليه، وأما منة المنان بفضله التي ما طاب العيش إلا بمنته، وكل نعمة منه في الدنيا والآخرة فهي منة يمن بها على من أنعم عليه، فتلك لا يجوز نفيها.
وكيف يجوز أن يقال: إنه لا منة لله على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في دخول الجنة؟ وهل هذا إلا من أبطل الباطل؟! فإن قيل: هذا القدر لا يخفى على من قال هذا القول من العلماء، وليس مرادهم ما ذكر، وإنما مرادهم:
(١) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٤٣٣٠)، ومسلم، رقم الحديث: (١٠٦١)، واللفظ له.