يقول ابن القيم ﵀ في هذا-: «الملك والحمد في حقه متلازمان، فكل ما شمله ملكه وقدرته شمل حمده، فهو محمود في ملكه، وله الملك والقدرة مع حمده، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته يستحيل خروجها عن حمده وحكمته؛ ولهذا يحمد سُبْحَانَهُ نفسه عند خلقه وأمره، لينبه عباده على أن مصدر خلقه وأمره عن حمده، فهو محمود على كل ما خلقه وأمر به حمد شكر وعبودية، وحمد ثناء ومدح، ويجمعهما التبارك، فتبارك الله يشمل ذلك كله؛ ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤].
فالحمد أوسع الصفات، وأعم المدائح والطرق إلى العلم به في غاية الكثرة، والسبيل إلى اعتباره في ذرات العالم وجزئياته، وتفاصيل الأمر والنهى واسعة جدًا؛ لأن جميع أسمائه ﵎ حمد، وصفاته حمد، وأفعاله حمد، وأحكامه حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أعدائه حمد، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمده، ووجد بحمده، وظهر بحمده، وكان الغاية هي حمده، فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله، فحمده روح كل شيء، وقيام كل شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات، وظهور آثاره فيه أمر مشهود بالأبصار والبصائر» (١).
والحمد لله سُبْحَانَهُ ممتد في الدنيا والآخرة، يقول سُبْحَانَهُ: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ﴾ [القصص: ٧٠]، وممتد كذلك في السماء والأرض، يقول تَعَالَى: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨]،