للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا عرف العبد هذا، وعرف حقيقة الدنيا، وأنها ليست دار بقاء، وإنما متاع ولعب ولهو زائل، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: ٣٢]، وقال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: ٤٥]، وعرف ما جاء في ذمها وحقارتها من النصوص، كما في قول جابر : «أَنَّ رَسُولَ اللهِ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَيْهِ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ (١) مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ! فَقَالَ: فَوَاللهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ» (٢) زهد فيها، ولم يتعلق بها، ممتثلًا قول رسول الله : «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللهُ ﷿، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» (٣).

ولم يقدم ما فيها من ملاذ وشهوات على الدار الباقية، وجعلها معبرًا للآخرة، وزادًا يبلغ به إلى الجنات؛ فإن الموفق من طال عمره وحسن عمله، كما جاء في الحديث عن رسول الله أنه سُئِل مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» (٤).


(١) كنفتيه: جانبيه، الأسك: صغير الأذنين. ينظر: شرح النووي على مسلم (١٨/ ٩٣).
(٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٢٩٥٧).
(٣) أخرجه ابن ماجه، رقم الحديث: (٤١٠٢)، والحاكم، رقم الحديث: (٧٩٦٨)، حكم الألباني: صحيح، صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، رقم الحديث: (٤١٠٢).
(٤) أخرجه أحمد، رقم الحديث: (٢٠٨٣٤)، والترمذي، رقم الحديث: (٢٣٢٩)، حكم الألباني: صحيح، صحيح وضعيف سنن الترمذي، رقم الحديث: (٢٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>