للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما علم سُبْحَانَهُ ذلك كله من خلقه؛ رحمهم بفتح أبواب التوبة والمغفرة لهم، ولو أسرفوا في الذنوب ما أسرفوا، وظنوا أنهم طُردوا وانتهوا، ولم يعد يُقبل منهم ولا يُستقبل، قال تَعَالَى: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]، وعن أبي هريرة قال: قال النبي : «لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ العُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ» (١)، وذكر رسول الله قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم كمل المائة بقتل العابد (٢)، ومع ذلك أدركته رحمة الله ومغفرته.

قال الشوكاني في آية الزمر: «واعلم أن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله سُبْحَانَهُ؛ لاشتمالها على أعظم بشارة؛ فإنه أولًا أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم، ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذنوب، ثم عقب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى .. » (٣).

كما أن ملاحظة رحمة الله وسعتها؛ تثمر الأمل في النفوس المكروبة، وتبث فيها الروح وحسن الظن بالرحمن الرحيم، وانتظار الفرج بعد الشدة، لذا قال إبراهيم متذكرًا رحمة الله، مع أن أسباب الولد معدومة:


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه مسلم (٢٧٦٦).
(٣) فتح القدير، للشوكاني (٤/ ٥٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>