للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبوديته باسمه الآخر: تقتضي - أيضًا- عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها؛ فإنها تعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضي، والتعلق بالآخر ﷿ تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به» (١).

وكما أنه الأول والآخر سُبْحَانَهُ رب كل شيء، وفاعله وخالقه وبارئه، فهو إلهه وغايته التى لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال إلا بأن يكون هو غايته، كما أنه لا وجود له إلا بكونه وحده هو ربه وخالقه، وكذلك لا كمال له ولا صلاح إلا بكونه تَعَالَى وحده هو غايته وحده، ونهايته ومقصوده.

فهو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات، والآخر الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها، فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويتأله، كما أنه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ، فكما كان واحدًا في إيجادك، فاجعله واحدًا في تألهك وعبوديتك، وكما ابتدأ وجودك وخلقك منه، فاجعله نهاية حبك وإرادتك وتألهك إليه؛ لتصح لك عبوديته باسمه الأول والآخر.

وأكثر الخلق تعبدوا له باسمه (الأول) (٢)، فالكثير يؤمنون بتوحيد الربوبية وأن الله هو الخالق الرازق المدبر، كما الحال مع مشركي العرب وغيرهم ممن أقر بذلك، يقول تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: ٢٥]، فهم مقرون بذلك، فلا إشكال كبير في تحقيقه.


(١) طريق الهجرتين، وباب السعادتين (ص ١٩ - ٢٠).
(٢) يقصد : أن كثيرًا من الخلق يؤمنون بتوحيد الربوبية، وأن الله هو الخالق الرازق المدبر، كما الحال مع مشركي العرب وغيرهم ممن أقر بذلك، يقول تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: ٢٥] فهم مقرون بذلك، فلا إشكال كبير في تحقيقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>