للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن عرف ذلك وتيقنه؛ زهد في الدنيا ومتاعها، وطلب الآخرة ونعيمها، قال تَعَالَى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠].

بخلاف من غفل عن ذلك أو تغافل، فألهته الدنيا بزخرفها، وصارت غايته وأكبر همه، وراح يطلبها بالمباح وبالحرام، حتى إنه ليعمل الصالحات يريد بها عرضًا من الدنيا غافلًا عن ثواب الآخرة، قال تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٨]، وقال ﷿: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٥ - ١٦].

وقوله تَعَالَى: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] أي: نعطيهم من متاع الدنيا ما كتب وقدر لهم في اللوح المحفوظ، لا ينقصون شيئًا منه، ولا يزيدون شيئًا منه، وإن بلغوا من الحرص عليها كل مبلغ (١).

وجاء في الحديث عن أبي هريرة ، عن النبي ، قال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» (٢).

قال ابن حجر : «قال الطيبي: قيل: خص العبد بالذكر؛ ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها، كالأسير الذي لايجد خلاصًا …


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص ٣٧٨).
(٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٢٨٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>