للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواد الذي يحب أن يسأل ويرغب إليه في الحوائج والنوائب والمزعجات، ويحب أن يتضرع إليه في الشدائد والكربات والملمات، ويحب أن يستغاث به في المصاعب والمشقات، ويحب الإلحاح في السؤال والدعاء، ويغضب على من لا يسأله، ويدعو عباده لسؤاله: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ وهو عند حاجة خلقه، ولديه تفريج كربهم، السميع لندائهم، العليم بحالهم، واسع الرحمة والرأفة والحنان والكرم، عظيم القدرة والعزة والسلطان (١).

ثم نظر متأملًا في المخلوق وما فيه من الفقر والعجز والشح والكره للسؤال والإلحاح فيه، والرغبة في عدمه؛ دعاه هذا إلى الزهد في سؤال المخلوق وقصد بابه، وقطع تعلق القلب به وإن عظم جاهه وعلا منصبه، ولهذا قال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك: «ويحك، تأتي من يغلق عنك بابه، ويظهر لك فقره، ويواري عنك غناه، وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار، ويظهر لك غناه، ويقول: ادعني أستجب لك؟!» (٢).

وقال عطاء : «قال لي طاوس: يا عطاء، لا تُنزلن حاجتك بمن أغلق دونك أبوابه، وجعل عليها حجابه، ولكن أنزلها بمن بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة، أمرك أن تدعوه، وضمن لك أن يستجيب لك، قال تَعَالَى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠]» (٣).


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص: ٨٣٠، ٩٣٧)، الحق الواضح المبين، للسعدي (ص: ٧٥).
(٢) صفة الصفوة، لابن الجوزي (١/ ٤٥٤).
(٣) المصدر السابق (١/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>